الخميس 28 من شعبان 1443
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أحييكم أحبتى بتحية الإسلام، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
فى هذه الأيام نرى معظم
الناس تعانى و تشكو و نرى الحياة صعبة بل و تزداد صعوبة و الكل متعجب و لا يعرف
السبب و يرى حال المسلمين يسوء و حال غيرهم يتحسن و الجميع يتساءل: ماذا فعلنا
لتتساقط علينا المصائب كثفاً؟
ما دفعنى لكتابة هذه السلسلة أمران:
الإجابة على السؤال المحير:
ماذا فعلنا لتتساقط علينا المصائب كثفاً؟
و بالطبع طرح هذا السؤال بهدف الإستوضاح حتى نتفادى ما يغضب الله فهو سؤال
محمود فى هذه الحالة، أما إذا كان بغرض الإعتراض على قدر الله فهو من عظيم الآثام
و للأسف يقع فى هذا الخطأ معظمنا و هو غير مدرك لكم السخط الذى يستجلبه بهذا
الإستنكار، فنسأل الله السلامة.
الثانى:
أن نتعاون على علاج ما انتشر من المعاصى العظيمة بين الناس و هم فى غفلتهم يستخفون بها إما ظناً منهم أنها من صغائر الذنوب أو لعدم إدراكهم لأنها معصية من الأساس، و الأعجب من يقومون بالمحرمات و المعاصى و هم واثقون أنهم يفعلون الخير و ربما يجدون فى آثامهم قربة لله تعالى و إنا لله و إنا إليه راجعون.
إعلم أخى الكريم و اعلمى أختى
الكريمة أن هذا الكون مبنى على رد الفعل أو بكلمات أخرى نقول أن الدنيا مبنية على
الأسباب و النتائج، و سأوضح معنى هذا لاحقاً فى هذه المقدمة. و لكن إيجازاً يمكنك
أن تفهمها من قوله تعالى: }الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ
لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ (الأعراف
157)
ببساطة نستشف من الآية السابقة أن الله أحل الطيبات، و الطيبات هى كل شئ ينتج عنه
خير و الطيبات قد تكون أقوالاً أو أفعالاً أو مأكل أو مسكن أو مشرب أو غير هذا من
الطيبات و الله يبين لنا أنه أحل لنا ما ينفعنا فى هذه الدنيا بمعاييرها كما أن
المؤمن يثاب عليها و تقربه من الجنة. أما الخبائث فهى كل شئ ينتج عنه ضرر أو مفسدة
و لهذا حرمه الله و هذا من فضل الله علينا سواء كنا مدركين للضرر أو غير مدركين
له، و اسمح لى هنا أن أضرب مثالاً للتوضيح، فعندما ترى طفلاً صغيراً شغوفاً أن يضع
يده فى مخرج الكهرباء فإنك تهرع إليه و توبخه فإذا كررها ستحتد عليه أكثر و ربما
مع إصراره ستضربه، و أنت تمنعه أو تحرم عليه هذا رأفة به و رحمة منك، أما فى باقى
الأمور التى تراها آمنة عليه و فيها نفعه فإنك تتركه ينعم بها و تدعها فى مصاف
المسموح به أو ما يوازى الحلال. و لقد ضربت هذا المثال للتوضيح و لله المثل الأعلى
فهو بعلمه و رحمته أحل لنا كل نافع و حرم علينا كل ضار و علينا الإمتثال حتى و لو
لم نستوعب مقصد الله من هذا الحكم و لكننا نطيع ثقة فيه فهو العليم و هو الحكيم و
هو رحيم بنا.
سؤال، هل يمكننا أن نترك الطفل فى المثال
السابق أن يضع إصبعه فى مخرج الكهرباء و نكون مطمئنين أنه لن يصعق لأنه لا يعلم أن
هذا خطر؟ بالتأكيد ستجيبون على أن هذا إفتراض مجنون و أنه سيصعق لا محالة و لا
علاقة لجهلة أو علمه بما سيصيبه. و أقول لكم أحسنتم، فعلاً الجهل بالضررلا يمنعه،
أى أنك لو فعلت محرماً فإنه سيصيبك أذاه حتى مع جهلك بأنه حرام.
دعونى أنتقل بكم سريعاً إلى من نسميهم دول
متقدمة ثم نختار من شعوبهم الأفراد الأكثر نجاحاً و نراقبهم، فسنجدهم يحرصون على
كل ما هو نافع و سنجدهم ينبذون ما هو ضار و هم لا يفعلون هذا إيماناً بدين و لكن
يفعلونه حرصاً على مكاسب الدنيا. فمن الواضح أنهم أدركوا ما ينفعهم و ما يضرهم بعد
تجارب قرون و مع الوقت ستجدهم يطورون أنفسهم أكثر فيقتربون من تعاليم الإسلام أكثر
لأن تعاليمه هى الحق و فيها خبر أكيد بكل نافع و كل ضار. و لهذا فتجد أن المسلمون القدامى
(ما قبل القرن الأخير) كانوا هم الأكثر تقدماً على العالم بأسره لمجرد أنهم أطاعوا
الله و أحلوا حلاله و حرموا حرامه.
هل بدأت الصورة تتضح؟ هل بدأت أن تدرك أن ما يتساقط عليك من مصائب هو مما اكتسبت
يداك؟ نعم فالله بيده الخير و لكن ما أصابكم من سوء فهو من أنفسكم، و لا عجب فى
هذا، و لكن العجب أن ترفض علم الله و رحمته و تلق بنفسك إلى التهلكة.
أحبائى لتكتمل الصورة تابعونا و سنوضح الصورة
أكثر من خلال هذه السلسلة " و تحسبوه هيناً و هو عند الله عظيم".